نشر في موقع المفكرة القانونية : 27 جوان 2016
“التابو” ينطبق هذا الوصف على قضايا الاعتداء الجنسي على الأطفال في تونس حين تصمت الضحية لخوفها أو لوقوع تهديد أو لجهلها بحقيقة الأمر أو حين تصمت عائلة الضحية خوفا من الفضيحة وتجنبا لنزاع قانوني قد يطول ولا يحسم فيه الأمر. جريمة الاعتداء الجنسي على الأطفال من الجرائم الصّامتة ومن المواضيع الحسّاسة التي يعاد الحديث عنها مرة أخرى في تونس بعدما تداولت المواقع الإعلامية التونسية خبرا حول اغتصاب مواطن فرنسي لأكثر من 66 طفلا أغلبهم تونسيون.
· تونس ترفض التعاون في قضية اغتصاب 41 تونسي :
تم الحكم على المتهم الفرنسي الذي اغتصب 66 طفلا بالسجن لمدة 16 سنة يوم الخميس 23 جوان وقد صدر الحكم عن محكمة الجنايات بفرساي – باريس في الوقت الذي أوردت فيه الصحف الفرنسية تجاهل السلطات التونسية لهذه الحادثة وعدم مساعدتها للمحققين الفرنسيين في الكشف عن الضحايا. وكانت محكمة فرساي تثبتت من ضلوع المتهم باغتصاب 66 طفلا ،41 تونسيا و 6 من مصر و19 في سريلانكا وتتراوح أعمار الأطفال بين 6 و 17 سنة. وقد أكد محامي المتهم Frédéric Champagneأن موكله لن يستأنف الحكم.
بادرت صحيفةle nouvel observateur الفرنسية بكشف نتائج التحقيق ثم تداولت وسائل الإعلام الخبر الذي اعتبر بمثابة الصدمة.
بدأ التحقيق في سنة 2012 من طرف المحققين الفرنسيين بناء على ما ورد عليهم من مكتب التحقيقات الأمريكي وقد تعاونت فرنسا في بحثها مع السلط السيرلنكية ما أدى إلى التعرف على بعض الضحايا في حين تجاهلت كل من تونس ومصر طلب التعاون في التحقيق حسب تصريحات القاضي ستيفن ليزو المكلف بالتحقيق الذي أكد أن التحقيق غير مكتمل في غياب تعاون من قبل السلطات التونسية والمصرية.
وبمعزل عن رد فعل السلطات التونسية الذي يبقى غير كافٍ، المهم في هذه القضية هو عودة الحديث عن جرائم الاغتصاب التي تهدد الأطفال وذلك في سياق جديد مرتبط بأعمال خطيرة تحت تعلّة العمل الإنسانين الشيء الذي يرجح وجود مثل هذه الممارسات غير المنفردة خاصة بعد التقرير الذي نشرته جريدة المغرب التونسية حول استغلال أطفال فقراء يمتهنون التسول وذلك بالاعتداء عليهم جنسيا في سوسة.
ما يحيلنا إلى بيان مدى نجاعة المنظومة القانونية الوطنية في حماية الطفل المعتدى عليه جنسيا.
· الحماية القانونية للطفل المعتدى عليه جنسيا: مشروع قانون في غياهب النسيان
إن الجرائم الجنسية المرتكبة ضدّ الأطفال لا تختلف في الأركان المكوّنة لها عن الجرائم الجنسية الأخرى ولكن الفرق الأساسي الوحيد بينهما هو الضحية. فالضحية في الجرائم الجنسية المرتكبة ضد الأطفال يجب أن يكون طفلا أي شخصا سنه دون الثامنة عشرة. وبذلك يكون العنصر المميّز لهذه الجريمة هو بالأساس سنّ الضحية بقطع النظر عن المعطيات الأخرى كجنسها مثلا.[2]
وتشير القاضية سامية دولة[3] في دراسة قانونيّة تحت عنوان “الحماية القانونية للأطفال ضحايا الإساءة الجنسية”[4] إلى أنّ المشرّع لم يتولّ ﺿﻤﻦ مجلّة حماية ﺍﻟﻄﻔﻞ توفير الحماية القاﻧﻮﻧﻴﺔ اللازمة لكلّ الأطفال. إذ ﺧصّص القسم الأول للطفل المهدّد، وﺍلثاني للطّفل الجانح، واهتمّ أيضاً باﻟﻄﻔﻞ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻓﺘﺮﺓ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﺍلإﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﻭﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ الجزائيّة، ولكنّه لم يتطرّق قطّ إلى ﻣﺼﻄﻠﺢ “ﺍﻟﻄﻔﻞ الضحية”، ضحية الجريمة ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺃﻭ ﺿﺤﻴﺔ ﺍلإﺳﺎﺀﺓ الجنسيّة ﺑﺼﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ. وهو ما يجعله محروماً من التمتع بجملة من الحقوق رغم مصادقة تونس على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لسنة 1989 وإصدارها لمجلة حماية الطفل في سنة 1995 بموجب القانون المؤرخ في 9 نوفمبر 1995 والذي أورد نفس الحقوق الموجودة بالاتفاقية الدولية [5].
وتضيف القاضية في الدراسة المذكورة أن الوزارة كانت قد تولت في سنة 2010 تكليف مركز الدراسات القانونية والقضائية بإعداد مشروع قانون يتعلق بإرساء آليات حماية الطفل ضحية الاعتداء بالعنف والاعتداءات الجنسية خلال مراحل البحث والتحقيق والمحاكمة.
ولكن هذا المشروع والآن وبعد ست سنوات من الثورة ورغم تعدد حالات الاعتداء جنسيّا على الأطفال لم يرَ النور بعد. وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول مكانة الطفل بصفة خاصة والأسرة التونسية بصفة عامة في سلم الأولويات المتعلقة بسن القوانين خاصة في ظل الإحصائيات المتعلقة بالاعتداء الجنسي على الأطفال التي تكشف عن الوضعية المهددة التي يعيشها الطفل في تونس.
· الإحصائيات المتعلقة بالاستغلال الجنسي للأطفال:
(أنظر أسفل المقال للإطلاع على الرسم التوضحي)
يؤكد التقرير السنوي لمندوبي حماية الطفولة لسنة 2014 والصادر في فيفري 2015 أن نسبة حالات التحرش الجنسي بالأطفال بلغت 52 بالمائة من مجموع 331 إشعارا في إطار الاستغلال الجنسي للطفل خلال سنة 2014 في حين بلغت نسبة حالات ممارسة الجنس مع الطفل حدود 35 بالمائة[6]. وقد شهدت سنة 2014 ارتفاعا مقارنة بالسنوات السابقة من خلال 289 وضعية متعلقة بمظاهر الاستغلال الجنسي للأطفال (6.3 بالمائة من مجموع التعهدات) وذلك حسب ما تورده النشرية الإحصائية لنشاط مندوبي حماية الطفولة [7].
هذه الإحصائيات تخفي الأعداد الحقيقية للأطفال المتعرضين لاعتداءات جنسية إذ تظهر آخر الدراسات التي قام بها مجموعة من الأطبّاء الشرعيين في مستشفى شارل نيكول من جانفي 2010 إلى ديسمبر 2011 أن هذه الحالات التي لا يبلغ عنها الضحايا تفوق 30 مرة الإحصائيات التي تذكر في التقارير الرسمية[8].
بينت قضية الفرنسي الذي اغتصب 66 طفلا نجاعة الإعلام التونسي في إثارة مثل هذه القضية في تونس بعد أن تداولتها وسائل الإعلام الفرنسية. وقد ساهم ذلك في ردة فعل من وزارة العدل ووزارة المرأة في شكل بيانات وتصريحات تبين العمل على تتبع الموضوع. وفي انتظار ما سيكشف في الأيام القادمة من تفاصيل حول هذه القضية تبقى حماية الطفل ضرورة أساسية لمجابهة كافة أشكال العنف أو الإساءة.
[2] مقال بعنوان ” الجرائم الجنسية ضد الطفل في القانون التونسي ” ، الأستاذ حسن عز الدين ذياب .
[3] قاضية و ﺭﺋﻴﺴﺔ خليّة ﺑﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ.
[4] دراسة قضائية تحت عنوان ” الحماية القانونية للأطفال ضحيا الإساءة الجنسية”، سامية دولة،رئيسة خلية بمركز الدراسات القانونية والقضائية،الحمامات من 28 فيفري إلى غرة مارس 2013.
[5] المادة 19 تؤكد على حق الطفل في الحماية من كافة أشكال العنف أو الإساءة الجنسية.
الفصل 2 من مجلة حماية الطفل يؤكد على ضمان الطفل التمتع بمختلف الأحكام والإجراءات الرامية إلى حمايته من كافة أشكال العنف والإساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية.
[6] التقرير السنوي المذكور ، ص 35 .
[7] النشرية الإحصائية لنشاط مندوبي حماية الطفولة لسنة 2014 ، ص 15 .
[8] الاستغلال الجنسي للأطفال جريمة صامتة ، حنان القرناوي،صحفية استقصائية، مقال منشور في موقع مراسلون في 8 أكتوبر 2015.